ومن عجب ما بلغنا من اخبار السابقين، وما سطر في دواوين العابدين، ان الدعاء في ظهر الغيب كان من اشرف منازل التقرب، لا يناله الا من صفا قلبه، وسلمت سريرته، وطهرت مقاصده.
ذاك انه عبودية خالصة، لا تملى رياء، ولا تعرض في الاسواق، بل تلقى خفية بين يدي الملك، ويشهدها ملك عند الراس يقول: آمين، ولك بمثل.
وقد بلغنا في الاخبار الصحيحة عن النبي الامين، ما يشبه ان يكون من عجائب التحنان والايثار، اذ كان يرفع كفيه في ليل المدينة، يدعو باسماء رفاقه الاسرى بمكة:
"اللهم انج الوليد بن الوليد،
اللهم انج سلمة بن هشام،
اللهم انج عياش بن ابي ربيعة..."
اي قلب هذا؟ واي اخلاص ارفع من ان يدعو الانسان لاخيه، وهو لا يسمع، ولا يرى، ولا يرد؟
لكنه يسمع ربا لا يخيب، ويوقن بملك لا يكذب.
وقد بلغنا ان الامام احمد، امام اهل السنة، كان يخص بالدعاء سبعين من اصحابه، كل باسمه، لا يخلط بينهم، ولا ينسى لهم معروفا.
فهل بعد هذا تقصير؟ وهل بقي فينا قلب لا يتحرك حين نقرأ قول الله تعالى:
﴿ ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالايمان
ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ﴾
ما اعجب هؤلاء، جعلوا اول منازل الطهر الدعاء للاخوان، وآخره نزع الغل من الصدر!
فيا من احببتم في الله، يا من الفتم الصحبة، وجمعكم الطريق،
اجعلوا من دعائكم وردا، ومن اسمائهم سطورا،
فان البلاء ينكشف بدعوة خفية، ويرفع الغم بهمسة في سحر.
✦ فادعوا لاحبابكم، وسموهم، وخصوهم، فان الله يحب من العبد ان يعنى.
ثم عمموا الدعاء لكل مؤمن في الارض والسماء...
وها انا ادعو لكم:
اللهم ارزق قلوبهم صفاء، واعمارهم بركة، وايامهم رضاك،
اللهم اكتبنا واياهم ممن سعدوا في الدنيا والاخرة،
واذكرنا فيمن ذكرتهم عند ملائكتك، واملأ سجداتنا بقبولك... آمين